ما حدث للصحابة عقب وفاته صلى الله عليه وسلم
ومن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها وغيرها من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض وارتفعت الرنة وسجى رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة دهش الناس وطاشت عقولهم وأقحموا ، واختلطوا ، فمنهم من خبل ومنهم من أصمت ومنهم من أقعد إلى أرض فكان عمر ممن خبل وجعل يصيح ويحلف ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ممن أخرس عثمان بن عفان حتى جعل يذهب به ويجاء ولا يستطيع كلاما ، وكان ممن أقعد علي ، رضي الله عنه فلم يستطع حراكا ، وأما عبد الله بن أنيس ، فأضني حتى مات كمدا ، وبلغ الخبر أبا بكر رضي الله عنه وهو بالسنح فجاء وعيناه نهملان وزفراته تتردد في صدره وغصصه ترتفع كقطع الجرة وهو في ذلك رضوان الله عليه جلد العقل والمقالة حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكب عليه وكشف وجهه ومسحه وقبل جبينه وجعل يبكي ، ويقول بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوة فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفدنا عليك ماء الشؤون
فأما ما لا نستطيع نفيه فكمد وإدناف يتحالفان لا يبرحان اللهم أبلغه عنا ، اذكرنا يا محمد عند ربك ، ولنكن من بالك ، فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفت من الوحشة اللهم أبلغ نبيك عنا ، واحفظه فينا ، ثم خرج لما قضى الناس غمراتهم وقام خطيبا فيهم بخطبة جلها الصلاة على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه وأشهد أن الكتاب كما نزل وأن الدين كما شرع وأن الحديث كما حدث وأن القول كما قال وأن الله هو الحق المبين في كلام طويل ثم قال أيها الناس من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت وأن الله قد تقدم لكم في أمره فلا تدعوه جزعا ، وأن الله تبارك وتعالى قد اختار لنبيه عليه السلام ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط [ النساء 135 ] ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ولا يلفتنكم عن دينكم وعاجلوا الشيطان بالخزي تعجزوه ولا تستنظروه فيلحق بكم . فلما فرغ من خطبته قال يا عمر أأنت الذي بلغني عنك أنك تقول على باب نبي الله والذي نفس عمر بيده ما مات نبي الله أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم كذا : كذا ، وكذا ، وقال الله عز وجل في كتابه إنك ميت وإنهم ميتون [ الزمر 30 ] فقال عمر والله لكأني لم أسمع بها في كتاب الله تعالى قبل الآن لما نزل بنا ، أشهد أن الكتاب كما نزل وأن الحديث كما حدث وأن الله تبارك وتعالى حي لا يموت إنا لله وإنا إليه راجعون صلوات الله على رسوله وعند الله نحتسب رسوله .
وقال عمر فيما كان منه
لعمري لقد أيقنت أنك ميت
ولكنما أبدى الذي قلته الجزع
وقلت يغيب الوحي عنا لفقده
كما غاب موسى ، ثم يرجع كما رجع
وكان هواي أن تطول حياته
وليس لحي في بقا ميت طمع
فلما كشفنا البرد عن حر وجهه
إذا الأمر بالجزع الموهب قد وقع
فلم تك لي عند المصيبة حيلة
أرد بها أهل الشماتة والقذع
سوى آذن الله في كتابه
وما آذن الله العباد به يقع
وقد قلت من بعد المقالة قولة
لها في حلوق الشامتين به بشع
ألا إنما كان النبي محمد
إلى أجل وافي به الوقت فانقطع
ندين على العلات منا بدينه
ونعطي الذي أعطى ، ونمنع ما منع
ووليت محزونا بعين سخينة
أكفكف دمعي والفؤاد قد انصدع
وقلت لعيني : كل دمع ذخرته
فجودي به إن الشجي له دفع
ولكنما أبدى الذي قلته الجزع
وقلت يغيب الوحي عنا لفقده
كما غاب موسى ، ثم يرجع كما رجع
وكان هواي أن تطول حياته
وليس لحي في بقا ميت طمع
فلما كشفنا البرد عن حر وجهه
إذا الأمر بالجزع الموهب قد وقع
فلم تك لي عند المصيبة حيلة
أرد بها أهل الشماتة والقذع
سوى آذن الله في كتابه
وما آذن الله العباد به يقع
وقد قلت من بعد المقالة قولة
لها في حلوق الشامتين به بشع
ألا إنما كان النبي محمد
إلى أجل وافي به الوقت فانقطع
ندين على العلات منا بدينه
ونعطي الذي أعطى ، ونمنع ما منع
ووليت محزونا بعين سخينة
أكفكف دمعي والفؤاد قد انصدع
وقلت لعيني : كل دمع ذخرته
فجودي به إن الشجي له دفع
وفي هذا الخبر أن عمر قال فعقرت إلى الأرض يعني حين قال له أبو بكر ما قال يقال عقر الرجل إذا سقط إلى الأرض من قامته وحكاه يعقوب عفر بالفاء كأنه من العفر وهو التراب وصوب ابن كيسان الروايتين وقالت عائشة - رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو نزل = بالجبال الصم ما نزل بأبي لهاضها ، ارتدت العرب واشرأب النفاق فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغنائها ، ويروى في بقطة بالباء قاله الهروي في الغريبين وفسره باللمعة ونحوها ، واستشهد بالحديث في النفي عن بقط الأرض وهو أن يقطع شجرها فتتخذ بقعا للزرع وبقطها ضرب من المخابرة قد فسره .
من موقع الاسلام